نبذة تاريخية ونقدية عن الحزب الشيوعي الثوري والسوفيات

تقذف أقنية الماء تحت مدينة “سانت بطرسبرغ” المنهكة والمتربّصة بعض المياه الآسنة التي تعشّ برائحة إجرام رأس المال والبلاط المتآمر، كما والنظام الوطني في ال”دوما” التي جرّت الطبقة العاملة الى حرب امبريالية عبثية، والليبراليين في انحرافهم عن السوفيات وانتهازهم لتضحيات العمّال الثوريين. لم يكن سكّان المدينة وريفها، كما وشعوب العالم في هذه اللحظة التاريخية من الزمن على دراية عمّا سيحصل؛ ذاك المارد الجبّار الذي غيّر وجه التاريخ وقلب الكرسي فوق رأس من جلس عليه.

لم تكن الثورة البلشفية في شهر أكتوبر من العام 1917 إلا نتيجة تراكم الفشل في التجارب الثورية الروسية بقيادة الديمقراطيين الاجتماعيين: فانتفاضة 1905 أفضت الى ايصال الليبراليين الى سدّة الحكم في مجلس ال”دوما” بعد إبرام اتفاقيات مخزية مع البلاط الامبراطوري، حدّت صلاحيات البرلمان بتقاريرٍ ودراسات مقدّمة من قبل الرأسماليين الليبراليين الى البورجوازية الملكية، كما وقد أدّت الى خيانة الليبراليين وتسلّقهم على تضحيات الاشتراكيين والشيوعيين الذين قد اعتقلوا وقتلوا وهجّروا من قبل السلطات الروسية آنذاك؛ كان لليبراليين حجة الاتفاق مع البلاط الملكي باقتسام السلطة السياسية (ولو بالإسم) ما بين القيصر الروسي من جهة و برلمان ال”دوما” من جهة أخرى، وقد اعتبروا أن تحقيق المطلب هذا كان كافٍ لتنفيس غضب الشارع الروسي ولو لوهلة عسى أن يتقدم القيصر بمشاريع حلولٍ أفضل على المدى الطويل، عدا عن أن الشارع السياسي الروسي لم يلقَ في هذه الحركة الا غضباً وقد اعتبروا ان الليبراليين (الذين هم بورجوازيين صناعيين بصبغتهم الاجتماعية) قد تخلّوا عنهم لقاء كسرةٍ مشحفة من السلطة السياسية الفعلية. ولكن في المقلب الآخر، رأينا بروز ونجاح احدى أهمّ التجارب التي ستحدّد وجه الثورة البلشفية فيما بعد: السوفيات.

شهدت ثورة العام 1905 تأسيس أولى سوفياتات مدينة سانت بطرسبرغ، والسوفياتة بحسب تعريف الشيوعيين البلشفيين هي مجلس العمّال والفلّاحين والعسكر الذين يمارسون الديمقراطية المركزية المباشرة فيما بينهم على الصعيد السياسي والاقتصادي. وتابع البلاشفة في الأمر الى حد تسليم السوفيات لفترة من الزمن زمام السلطة الفعلية في البلاد، وسمّيت هذه الفترة ب”شهر عسل الثورة البلشفية”.

لاقت تجربة السوفيات نجاحاً مبهراً في تسليم السلطة السياسية والاقتصادية في البلاد للعمّال، فعشية هزيمة ثورة 1905، كانت سوفياتة سانت بطرسبرغ آنذاك عرضةً لأقسى أنواع القمع من الأجهزة الأمنية التابعة للبلاط؛ حرصت البورجوازية الصناعية بالاستعانة بأجهزة قمع المخمليين والنخبويين على عدم تكرار هذا المشهد المرعب للقوة الشعبية الفعلية في ظرف اقتصادي يعكس أزمة رأس المال الأوروبي بشكل خاص والعالمي بشكل عام. تجدر الإشارة أيضا الى البعد الفكري للسوفيات: فقد انبثقت العديد من المدارس الفكرية والمواقف من فلك السوفيات إن لم يكن من رحمها مباشرةً، كقسمة البلاشفة والمناشفة في الحزب الديمقراطي الاجتماعي الروسي.[1] والشقّ الفكري السياسي في التقسيم تمحور حول تمكين السوفياتة من انتزاع السلطة السياسية والاقتصادية من قوى رأس المال (موقف البلاشفة)، لا مشاركتها ومن ثم قضمها تدريجيا من البورجوازيين الصناعيين (موقف المناشفة). ولكن لم يمنع ذلك بعض المناشفة عن المشاركة في مجالس السوفيات، حيث كان الهدف السياسي الأولي للسوفياتة هو لعب دور البرلمان المحلي البديل والمستقل عن أي تدخل مباشر للرأس ماليين في مسائل الاقتصاد والعمل وشتى المسائل الاجتماعية، لكن المناشفة سرعان ما تداركوا أمر التناقضات الفكرية بينهم وبين السوفياتة بطبيعتها وعواملها بالإضافة الى أهدافها الاستراتيجية ووسائلها، وبين السوفياتة وكيفية وصول المناشفة الى السلطة السياسية.

ان المسألة البنيوية هذه نجحت في تسديد البنادق نحو الطريق الأصرح والأعنف، أي طريق البروليتاريا الروسية: هي الطريق الثورية العنفية المسلّحة، المنظّمة ضمن إطار الحزب الديمقراطي الاجتماعي بشقّه الماركسي وتقويمه البولشيفي، ممارساً دوره كالحزب الطليعي والشيوعي الثوري: هو الكفيل بأن يحمل في كنفه سجلّات التجارب السابقة وتراكم نضالات الجماهير، كلّ الجماهير، وعليه مسؤولية تحضير أجيال تطمح لا بل تفعل الى خلق حركة شعبية أفقها إنهاء الصراع والحرص التام على عدم إمكانية توريثه للأجيال القادمة. والمقصود هنا، هو تحضير صيرورة الأجيال والقوى المستدامة لحمل الصراع ودفعه الى أعقاب النهاية، والإنتصار الحتمي، كي لا تشرف الأجيال المقبلة على التراجع التكتيكي للحركة الكفاحية بشكل عام، في ظرف تاريخي لا يتحمّل أي انتكاسة نوعية. هذا الحزب هو، في بادئ الأمر، أحد أبرز وأهم ردّات الفعل على الديناميكية (أقصد الصراع أو التفاوت، والأفضل هنا تشبيهها بحركة المد والجزر للبحر، أو كقاعدة نيوتن للفعل وردّة الفعل المعاكسة التي توازي الفعل قوة وعنفاً) القائمة بين طبقة وأخرى في المجتمع الانساني، التي هي بنفسها نتيجة تطوّر نظام منذ أواخر مراحل الثورة الزراعية. النظام المقصود هنا هو نظام رأس المال؛ نظامٌ يتجسّد في واقعنا اليومي وممارساتنا الحياتية اليومية إن كان عبر التوجه الى أماكن العمل او الى ال”سوبرماركيت” بغية الاستهلاك أو الوقوف في الطوابير من أجل الحصول على كسرة من الوقود، وصولاً الى الهجرة والحروب والمجازر والإبادات الجماعية. خَلَق هذا النظام أولاً ما يعرف ب”الطبقات الاجتماعية”، أي تقسيم شرائح المجتمع الى فئات بحسب علاقاتهم بسبل الإنتاج.

وعليه، يمكننا أن نبادر في دراسة “شهر العسل” هذا وتفنيده في الشقوق والأطر التي ينطوي ضمنها، أي أ) في التنظيم وأهمّية الحزب الثوري، ب) في الاقتصاد والصبغة العمالية (من حيث الإرتكاز على مقالة القيادي الشيوعي أماديو بورديغا بعنوان “هل نحن بحاجة الى سوفيات؟”)، ت) في السياسة والأهداف الاستراتيجية، ث) الوثيقة الاقتصادية الجديدة، التي انبثقت عنها أهم الحركات المعارضة الشيوعية، أي تمرّد حامية “كرونشتاد”، التي ستناقش وأساليب تعامل الحكومة السوفياتية والجيش الأحمر مع هذا الحدث التاريخي الذي أقدم على انهاء تجربة السوفيات الروسية.

أ) في التنظيم وأهمّية الحزب الثوري :

ان أولى المسلّمات في أي تجربة شيوعية وعلى وجه التحديد تجربة السوفياتة هي التنظيم: واتّخذ التنظيم لدى البلاشفة شكل التمرحل[2] التاريخي للحركات العمّالية؛ بدأت كرة الثلج تتدحرج من أولى النقابات السرّية التي صعدت من كلّ مصنع والتي كانت تسعى إلى تحصيل حقوق العمّال من ربّ العمل المباشر عليهم وعلى مصنعهم، وثم توسّعت لتصبح حزباً اشتراكياً معتدلاً يمارس السياسة البرلمانية ويسعى إلى مشاركة قوى رأس المال السلطة، وثم تفجّرت على شكل حزب شيوعي ثوري يقوم بدور طليعة الحركة الثورية العمالية الخارجة عن إطار “النضال” البرلماني. وانطلاقاً من المذكور سابقاً، علينا أن نستشهد بتعريف الحزب والطبقة الاجتماعية بحسب المفكّر الايطالي أماديو بورديغا في مقالته الشهيرة “الحزب والطبقة”:  تنشأ الطبقة من التجانس الفوري للظروف الاقتصادية التي تظهر لنا كالدافع الأساسي وراء الميل الى التدمير (أي تدمير النظام القائم)، وتجاوز الوضع الحالي للانتاج. ولكن من أجل القيام بهذه المهمة العظيمة، يجب أن يكون للطبقة فكرها الخاص، وسيلة نقدية خاصة بها، روحها العازمة على ايجاد المخارج الدقيقة المحددة من قبل البحوث والنقد، وتنظيمها الخاص المُشتَبِك بكنف النضال، والاستفادة من الكفاءة القصوى للجهود والتضحيات الجماعية. كل هذا يشكّل الحزب. ويشكّل هذا المدخل انعكاساً واضحاً عن نظرة اليسار الشيوعي الايطالي عن الأداء العام للبلاشفة الروس، واستنباطاتهم المستمدّة من الميدان في مضمار بناء دولة العمّال و”ديكتاتورية البروليتاريا”.

هناك شبه إجماع بين شيوعيي العالم حيال الحاجة لتنظيم ثوري يتّخذ طابع الحزب السياسي، الذي يشكل الجهاز السياسي لتمكين العمال والفلاحين من ممارسة ديكتاتوريتهم البروليتارية بواسطة السوفيات. وتعقيباً على الفكرة المذكورة، يذكّر بورديغا بأن “لا يمكن للطبقة العاملة ان تحرر نفسها من الاستغلال الرأسمالي إلا من خلال نضال سياسي يقوده الجهاز السياسي للطبقة الثورية، أي الحزب الشيوعي. (…) فكما ان النضال ضد الطبقة المستغِلّة لا يمكن ان يتم بدون الحزب السياسي الثوري، فإن الحزب ضروري كذلك للعمل اللاحق المتمثل في القضاء على المؤسسات الاقتصادية السابقة. ان ديكتاتورية البروليتاريا التي لا غنى عنها خلال هذه الفترة الانتقالية التاريخية القصيرة بأي حال من الأحوال، سوف يمارسها الحزب بشكل علني.”[3]

ويدخل في مهام الإدارة إحدى المسائل البنيوية للحزب الثوري، التي تتجلى على شكل الدراسة الطبقية للمجتمع وشروطه المادية للثورة في المراحل التحضيرية للانفجار الاجتماعي وخلاله، ومن ثم دراسة طبقية تُعنى بتحديد أصول ومكوّنات المجالس العمّالية والفلّاحية والعسكرية اللاحقة، التي ستسيطر على زمام السلطة الشعبية في مراحل البناء الاشتراكي. ويبدأ هذا البناء بوضع أساساته على طبيعة المجالس ووظائفها الاقتصادية ثم الصبغة العمالية في المجتمع.

ب) في الإقتصاد والصبغة العمالية :

تبعاً لأصول الدراسة الطبقية المعتمدة على المنهجية المادية الجدلية، سنفتتح مدار النقاش بالتذكير بالوظيفتين الأساسيّتين للسوفياتة: أوّلها تقنية-اقتصادية والأخرى سياسية.[4] عُنِيَت الحركة الشيوعية الايطالية في أواخر عشرينيات القرن الماضي بتجهيز البديل السياسي للبرلمانيات الأوروبية التقليدية، وطُرِحَت المسألة على اليسار الايطالي وسط جوّ “السّفيَتة” في الامبراطورية الروسية، حيث توصّل الايطاليون الى الاعتراف “ان العناصر الفعلية للديكتاتورية الطبقية هي السوفياتات المحلية والمركزية السياسية، حيث لا يوجد فرز بين العمال بحسب مهنهم وأعمالهم. ينبثق عن هذه السوفياتات الهيئة التنفيذية المركزية التي ترشح المفوضين الشعبيين؛ وبموازاة هذه الأجهزة السياسية، يوجد استنشاط لشبكة متكاملة من الأجهزة الاقتصادية المتمركزة على مجالس المصانع والاتحادات العمالية، والتي تتبلوَر وتتأطّر في اللجنة المركزية للاقتصاد.” وعلى ضوئه، توسّعوا في دراسة الوظيفة التقنية – الاقتصادية للسوفياتة، ففي روسيا، لم يكن للطابع التقني – الاقتصادي أي تمثيل على صعيد الهيئة التنفيذية المركزية، ولكن كان للمجالس والاتحادات العمالية الفضل الأكبر في تأسيس مجلس الاقتصاد المذكور آنفاً. وُصِفَت مهام هذه الاتّحادات الأوّلية بالمهمّات ذات الطابع ال “Anarcho Syndicalist” فكانت المشرفة المباشرة على إدارة عملية الانتاج في مرحلة التأميم الأولية للاقتصاد الروسي، ولكن بعد دخول المركزية على الاقتصاد الاشتراكي الجديد، أصبح لهذه المجالس لعب دور النوادي والتجمعات ذات الإفادة، بالإضافة الى توزيع التعليمات الخاصة للعمّال المنتسبين.

انطلاقاً من المعطيات المذكورة، يمكننا استنباط شقّين للسوفياتة نراهما الأنسب للتمثيل العمّالي الشامل: الشقّ الاقتصادي والشقّ السياسي. ففي الاقتصاد، على كلّ مصنع أن يحصل على مجلسه الخاص (يتخذ طابع الإدارة لا الحيازة أوالاستملاك) المنتخب من قبل العمال؛ وسيكون له الفضل في لعب دور استراتيجي في عملية التأميم ومهام إدارة المعمل المترتّبة تبعاً للشروط المناسبة.

نجح البلاشفة في ايصال هذا النموذج والمضي فيه قدماً في أولى مراحل التأميم وال”سَفيَتة” ولكن سرعان ما لبذ هذا النموذج على التقهقر أمام مد الحرب الأهلية الروسية واستحداث الوثيقة الاقتصادية الجديدة من قبل فلاديمير لينين.

ت) في السياسة والأهداف الاستراتيجية:

كما ذكر آنفاً، إن البعد والهدف الاستراتيجي لإقامة حكم السفيات هو تكتّله ومركزيّته التي ستفضي فيما بعد الى إنشاء اتّحادٍ عريض من السوفياتات يمارس الديمقراطية الفعلية، أي الديمقراطية المركزية، التي تنطلق من المجالس العمالية والفلاحية والعسكرية وصولاً الى الهيئات واللجان المركزية والتنفيذية؛ أي من أسفل الهرم الى أعلاه في لغة الديمقراطيات الزائفة.

ومنه تتحدّد الوظيفة السياسية الأساسية للسوفياتة، وبحسب “هل حان الوقت لتشكيل السوفيات؟” : “فيما يتعلق بالوظيفة السياسية، أي تشكيل أجهزة السلطة المحلية والمركزية، ستجرى انتخابات المجالس البروليتارية على أساس القوائم الانتخابية (مع الإقصاء الصارم لجميع البرجوازيين، أي الأشخاص الذين بأي شكل من الأشكال يعيشون من عمل الآخرين) يتم تضمين جميع البروليتاريين على قدم المساواة، بغض النظر عن تجارتهم، وحتى لو كانوا (بشكل شرعي) عاطلين عن العمل أو عاجزين.” وعليه، يمكنّنا أن نجزم أنه وبوجود الطبقة البورجوازية في موقع السيطرة الطبقية، حتى لو أمكن للعمّال بترشيح مندوبيهم للانتخابات البرلمانية على سبيل المثال، فالوضع هنا هو عبارة عن استنساخ  مسرحيّ لأي فعل انتخاب ديمقراطي مستقبلي، ولكن بتجريده من روحه الثورية. ان أولئك الذين لهم القدرة على تمثيل العمال اليوم، قبل أن ينتزعوا السلطة غداً، هم العمّال الواعين لهذه الحتمية التاريخية؛ وبتعبير آخر، هم العمال المنتسبين للحزب الشيوعي الثوري.

ث) الوثيقة الاقتصادية الجديدة:

ان الوثيقة الاقتصادية التي اقترحها فلاديمير لينين وقدمها للّجان والهيئات العاملة في الاتّحاد السوفياتي وعشيّة الحرب الأهلية الروسية كانت تكرّس اقتصاد السوق ولكن باحتكار الدولة. كانت ذريعة لينين في وقتها بأنّ التوقّعات السوفياتية للبناء الاشتراكي كانت ببناء سلمي، وذلك بعد توقيع معاهدة بريست – ليتوفسك لانسحاب روسيا من الحرب الامبريالية الأولى.[5] ولكن على الرغم من صحّة ذرائع الرفيق العظيم وثبوت الخسارة الاقتصادية والتراجع التكتيكي الذي تمثّل باستنباط الوثيقة الاقتصادية الجديدة، على القرّاء والباحثين النظر بوظائف السوفياتة الاقتصادية والسياسية، ومن ثم مقارنتها بمآلات الوثيقة الاقتصادية.

فللوهلة الأولى، قد نظنّ بأنّ الوثيقة لا تحاكي أي تعديل يذكر على سير أعمال ووظائف السوفياتة، ولكن في الشقّ الاقتصادي، فإنّ توقيف الانتاج والتوزيع حسب النظرية الاقتصادية الشيوعية هو انتهاك صارخ لوظيفة السوفياتة الاقتصادية لحدّ ابطالها وعرقلتها كليّاً.

أما بعد، بجوهر الوثيقة الاقتصادية هذه كرّس اقتصاد السوق باحتكار الدولة ولو لفترة مرحلية، ولكن متطلبات السوق (او بحسب قول لينين: “الاقتصاد الروسي القديم”) كانت تفرض تقسيم العمل الذي تعارضه النظرية الاقتصادية الماركسية[6] بشكل علني وواضح. وبذلك، يتمّ طمس التعددية العمّالية ما بين السوفياتات ويتمّ قتل الجوهر الديمقراطي الشعبي للسوفياتة الروسية ولو عن غير قصد، ولو كان الظرف والتجربة السوفياتية من أجدد التجارب البشرية في العصر الحديث.

إنّ التمرد التشيكوسلوفاكي والحرب الأهلية التي تبعته كانوا العوامل الأساسية لقتل السوفيات، وعمد البلاشفة الى تفعيل الوثيقة الاقتصادية لمواجهة هذا التهديد العسكري.

انتهى شهر العسل للتجربة السوفياتية في عام 1921 بعد إقرار الوثيقة الاقتصادية الجديدة، والمعارضة لهذا المشروع تبلورت في تمرّد بحاّرة حامية “كرونشتاد” الذين أقاموا الجهاد على البلاشفة في بادئ الأمر على خلفية الخلل في توزيع المؤن الغذائية على عوائل البحّارة في الأرياف، إنّما المطالب للثوار كانت تتمركز حول فكرة إعادة انتخاب مجالس السوفيات وإبطال مفعول الوثيقة الاقتصادية الجديدة، مقدمين بذلك على الدعوة لإعادة القوّة والسلطة الفعلية للسوفيات، كلّ السوفيات.

لم تتلقّى “بتروغراد” (العاصمة البلشفية المسماة “سانت بطرسبرغ” قبل الثورة الحمراء) وقع الخبر جيّداً، فأنزل على المتمرّدين ثقل جيشها الأحمر بأوامر لينين وبقيادة ليون تروتسكي الذين أمعنا في قمع هذه الحركة بالدم والنار، ليعيد تروتسكي موقفه من المتمرّدين بعد تمرّده الخاص على الحكم الستاليني في روسيا السوفياتية، حيث قد أشاد بحّارة “كرونشتاد” وقدّر تضحياتهم في سبيل إعادة احياء “التجربة الشيوعية الأصلية”، أي تجربة السوفيات.

علي رضى

طالب سنة ثانية – حقوق


[1] Vladimir Ilyich Lenin, “A Brief Outline of the Split in the R.S.D.L.P.”, 1905. Available on <https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1905/feb/00.htm#fwV08E050 >.

[2] (أي فعل تعاقب المراحل التاريخية وانعكاساتها على حركة التاريخ المادي وصراعاته الطبقية).

للمزيد عن تاريخ الحركة المادية، مراجعة مهدي عامل، “الثقافة والثورة”.

[3] Amadeo Bordiga, “Fundamental Theses of the Party”, 1951. Available on <https://www.marxists.org/archive/bordiga/works/1951/fundamental-theses.htm&gt;.

[4] Amadeo Bordiga, “Is this the Time to form “Soviets”?”, 1919. Available on <https://www.marxists.org/archive/bordiga/works/1919/soviets.htm&gt;.

[5] Vladimir Ilyich Lenin, “The New Economic Policy and the Tasks of the Political Education Departments (Report to the Second All-Russia Congress of Political Eduction Departments), 1921. Available on <https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1921/oct/17.htm&gt;.

[6] كارل ماركس، “رأس المال”، 1867، المجلّد الأول، الفصل الثاني عشر بعنوان “تقسيم العمل والمانيفكتورة”.

“وفي حين أن تقسيم العمل على نطاق المجتمع بأسره – بتوسط تبادل السلع أم بدونه – هو سمة مميزة لأشد التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية تبايناً، فإن التقسيم المانيفاکتوري للعمل هو إبداع خاص تماما بنمط الإنتاج الرأسمالي.”

Leave a comment